نبذة عن حياة الامام ابو حنيفة النعمان
سأحاول ان اغوص بكم في شخصية امام عظيم عاش مجاهدا وكذلك مات عاش من اجل العلم ومات من اجله الا وهو الامام ابو حنيفة النعمان (امام المذهب الحنفي) رضي الله عنه وارضاه . فمن هو هذا الامام؟
ولد بالكوفة واختلف المؤرخون في سنة ولادته ، ابوه ثابت بن زوطي الفارسي ،فهو فارسي النسب ، وقد اسر جده ايام فتح العرب لتلك البلدان واسترق لبعض بني تيم بن ثعلبة ثم اعتق . نشأ الامام ابو حنيفة بالكوفة وتربى بها ، ويقال بأن جده كان من التجار وقد سبق ان التقى بالامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه واهدى للامام مقدارا من الفالوذج في عيد النيروز ، اي ان اسرته كانت في بحبوحة الغنى ، ولقد روي بان الامام علي كرم الله وجهه ورضي عنه دعا لثابت (والد ابي حنيفة) بالبركة وفي ذريته. وكان الامام ابو حنيفة النعمان يذهب الى السوق كونه تاجرا بتجارة الخز والقماش ، وكان من اكثر الناس تلاوة للقران الكريم اثناء صغره ، وقد لمح احد العلماء ذكاء ابي حنيفة منذ صغره فاوصاه بمجالسة العلماء ومن ثم يذهب للسوق ، وروي عن ابي حنيفة انه قال عن صلته بشيخه واستاذه حماد:صحبته عشر سنين ثم نازعتني نفسي الطلب للرئاسة،فاردت ان اعتزله واجلس في حلقة لنفسي فخرجت يوما بالعشى وعزمي ان افعل فلما دخلت المسجد ورايته لم تطب نفسي ان اعتزله فجئت وجلست معه فجاءه نعي احد قرابته فامرني ان اجلس مكانه في حلقة العلم فوردت علي مسائل لم اسمعها منه فكنت اجيب واكتب جوابي ثم قدم فعرضت عليه المسائل وكانت نحوا من ستين مسالة فوافقني في اربعين وخالفني في عشرين فاليت على نفسي الا افارقه حتى اموت او يموت فلم افارقه حتى مات. وكان ابو حنيفة كثير الرحلة الى بيت الله الحرام، وقد دارس الامام زيد بن علي زين العابدين،وجعفر الصادق من ائمة الشيعة،وقد نهل العلم من مشارب شتى وكان يلاحق التابعين حتى تلقى فقه عمر بن الخطاب وفقه علي بن ابي طالب .
اتصف ابو حنيفة التاجر باربعة صفات ،فقد كان ثري النفس،وكان عظيم الامانة،وكان سمحا،وكان بالغ التدين شديد التنسك عظيم العبادة يصوم النهار ويقوم الليل حتى كان غريبا بين التجارولقد شبهه الكثيرون في تجارته بابي بكر الصديق رضي الله عنه ،وقد روي انه جاءته امرأة بثوب من الحرير تبيعه له فقال كم ثمنه؟فقالت مائة،فقال هو خير من مائة بكم تقولين؟فزادت مائة،مائة،حتى قالت اربعمائة،فقالهو خير من ذلك،قالت اتهزأ بي؟قال هاتي رجلا يقومه، فجاءت برجل واشتراه بخمسمائة.وكان يحث من يعرفه على العناية بملبسه وقد رأى بعض جلسائه يلبس ثيابا رثة فامره ان ينتظر حتى تفرق المجلس فقال له ارفع المصلى وخذ ما تحته فرفع الرجل المصلى فوجد الف درهم فقال له خذ هذه الدراهم فغير بها من حالك ،فقال الرجل:اني موسر وانا في نعمة،فقال له:اما بلغك الحديث ان الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده؟فينبغي ان تغير حالك وحتى لايغتم بك صديقك.
عاش ابو حنيفة اثنتين وخمسين سنة من حياته في العصر الاموي ثمانية عشر سنة في العصر العباسي، وكان لايرى لبني امية حقا ولا سلطانا من الدين او الشرع. ويروى انه لما خرج زيد بن علي زين العلبدين على هشام بن عبدالملك قال ابو حنيفة (ضاهى خروجهخروج رسول الله يوم بدر،فقيل له:لم تخلفت؟قال:حبسني عنه ودائع الناسعرضتها على ابن ابي ليلى ولم يقبل فخفت ان اموت مجهلا.وروي انه قال في اعتذاره عن الخروج لو علمت ان الناس لايخذلونه كما يخذلون اباه لجاهدت معه لانه امام حق ولكن اعينه بمالي.فقد كان يرى (الثورة)على بني امية امرا جائزا شرعا، وقد حاول الامويون استمالته باعطائه خاتم الدولة في يده فامتنع ابو حنيفة فحلف ابن هبيرة ان لم يقبل ان يضربه فقال له زملاؤه الفقهاء:انا ننشدك الله ان تهلك نفسكفانا اخوانك وكلنا كاره لهذا الامر فقال ابو حنيفة:لو ارادني ان اعد له ابواب مسجد واسط لم ادخل في ذلك فكيف وهو يريد مني ان يكتب دم رجل بضرب عنقه واختم انا على الكتاب فوالله لا ادخل في ذلك ابدا.وقد امر ابو هبيرة باعتقاله وضربه فضرب حتى تورم راسه ولم تهن نفسه ولم يضعف امام جلاده،حتى فر الى مكة ، وقد ساند بنو العباس في تجهيز ثورتهم ضد الامويين ثم انقلب عليهم عندما راى خيانة عهدهم له وان طريقة حكمهم كانت كسابقيهم من الامويين، وقد اراد ابو جعفر المنصور ان يولي القضاء ابو حنيفة فامتنع واصر المنصورعلى ان يتولى له عملا ايا كان ورفض ،فحبس الامام وضرب ضربا مبرحا ولم يجلس للافتاء والتدريس بعد ذلك ثم مات ببغداد.
كان ابو حنيفة يتميز باستقلالية الفكر وقوة الاقناع لدرجة انه قال عنه احد معاصريه من العلماء:لو قال لكم ابوحنيفة عن هذه الاساطين انها خشب لظننتم ذلك،وكان حاضر البديهة عميق الفكرة وكان واسع الحيلة ومن ذلك:1-ان رجلا من الخوارج كان يشيع بين الناس بان عثمان بن عفان له ميول يهودية فوصل الخبر الى ابي حنيفة فذهب اليه وقال:جئتك خاطبا.فقال الخارجي:ابا حنيفة يطلبني شيء وارفضه ؟فقال ابو حنيفة :ان الرجل الذي ارسلني اليك يتمتع باخلاق عالية وسمهته طيبة الا انه له عيب واحد وهو انه يهودي،فقال الرجل:وهل في مذهبك ما يجيز لي تزويج ابنتي ليهودي؟فقال ابو حنيفة:نعم فقد فعلها النبي عندما زوج عثمان بن عفان وهو له ميول يهودية كما تشيع انت، فوقعت الحجة على الرجل واستغفر الله على ما قال.2-دخل الضحاك بن قيس وقال لابي حنيفة تب،فقال مما اتوب؟قال الضحاك:من تجويزك الحكمين(ايام الخلاف بين معاوية وعلي بن ابي طالب)فقال ابو حنيفة:تقتلني او تناظرني؟فقال:بل اناظرك،فقال ابو حنيفة:فان اختلفنافي شيء مما تناظرنا فيهفمن بيني وبينك؟قال:اجعل من شئت،قال ابو حنيفة لرجل من اصحاب الضحاك:اقعد فاحكم بيننا فيما نختلف فيه،ثم قال للضحاك:اترضى بهذا بيني وبينك؟قال:نعم،فقال ابو حنيفة:فأنت قد جوزت التحكيم ايضا ،فانقطع الرجل.
من ارائه وفقهه: كان يعتقد ان عليا ابن ابي طالب كان على الحق في كل قتال تولاه. وسئل عن يوم الجمل فقال:سار علي فيه بالعدل وهو اعلم المسلمين بالسنة في قتال اهل البغي.فهو شيعي في ميوله وارائه في حكام عصره. لم يتكلم في قضية خلق القران ،كان يتميز بما يسمى الفقه التقديري اي الفتوى في مسائل لم تقع .كان يقبل بحديث الاحاد .وكذلك الحديث المرسل.كانت مصادره في الافتاء الكتاب والسنة ورأي الصحابة والاجماع والقياس والاستحسان والعرف . وكذلك كان يرى ولاية المرأة امر زواجها ان تتولى زواجها بنفسها.منع الحجر على المدين.الوقف لايقيد الواقف ويلزم ورثته.
وبعد موت ابو حنيفه رحمه الله بدأ تلاميذه في كتابة اقواله وتطورت فتاواه من مجرد فتاوى الى مذهب مستقل ومن تلاميذه ابو يوسف ومحمد بن الحسن.
وكان ابو حنيفة يجلس في حلقة درس الامام مالك(امام المذهب المالكي) وكأنه تلميذ لا يزال يستقي بداية العلم وذلك كلما زار المدينة.
هذا ما ستحسنا( نقله ) باختصار
والى اللقاء مع نبذة جديدة عن الامام مالك رضي الله عنه.